قصف الدوحة.. رسالة للشرق الأوسط بأسره

 

 

د. مجدي العفيفي

(1)

نقرأ تصريح الإرهابي الصهيوني رئيس الكنيست: «قصف الدوحة: رسالة للشرق الأوسط بأسره»، لا كجملة عابرة، بل كوثيقة تكشف عقل الصهيوني العاري.

إسرائيل لا تطلق كلماتها جزافًا. التصريح المصوَّر لرئيس الكنيست ليس «انفعالًا» بل هو بيان استراتيجي، يضع الدوحة- ووراءها الخليج والعرب جميعًا- في مرمى «العقيدة الصهيونية».

حين يقول: «رسالة للشرق الأوسط بأسره»، فهو يُعيد إنتاج نفس الذهنية التي قامت عليها إسرائيل منذ 1948: دير ياسين كانت «رسالة»، قانا كانت «رسالة»، صبرا وشاتيلا كانت «رسالة»، غزة- بكل مجازرها- ليست إلّا «رسائل».

إسرائيل لا تُحارب فقط المدن، بل تحارب الرموز: كل عاصمة، كل دولة، كل صوت يُحاول أن يخرج من بيت الطاعة الأمريكي- الصهيوني.

هذا التصريح يفضح ثلاث حقائق: أولها: أن إسرائيل ترى نفسها سلطة إقليمية فوقية، تتعامل مع الشرق الأوسط كإقطاعية: تضرب قطر اليوم، وتهدد.. غدًا، وتساوم بعد غد. والكنيست يتحدث كأنه البرلمان الوحيد في المنطقة، بينما برلماناتنا تكتفي بالتصفيق.

ثانيها: أن التطبيع لم يحمِ أحدًا؛ ومع ذلك لم ترفع إسرائيل العصا عن رؤوسهم. ها هي تهدد قطر بلسان رسمي من أرفع مؤسسة تشريعية عندهم. التطبيع إذن ليس درعًا، بل قيدًا.

ثالثها: أن إسرائيل تستخدم الحرب الإعلامية كجزء من قصفها: الكلمة عندهم صاروخ موازٍ للقبة الحديدية.

التصريح المصوَّر مقصود أن يصل إلى كل بيت عربي، ليقول: «نحن سادة اللعبة.. أنتم عبيد الميدان».

(2)

هذا التصريح يستدعي بقوة إلى الأذهان عظمة الآية القرآنية: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ.....﴾ [المائدة: 82]. إنها ليست «عداوة حدود»، بل عداوة وجود، عداوة تمتد إلى كل قطر من أرض العرب والمسلمين. ومن يتوهم أن إسرائيل ستقف عند حدود غزة أو جنوب لبنان، فهو يقرأ التاريخ بالمقلوب.

(3)

إسرائيل تعرف أن الدوحة ليست مجرد جغرافيا، بل هي منصة إعلامية (الجزيرة) وذراع دبلوماسي حاضر في ملفات المنطقة. لذلك استهدافها بالتصريح يعني: «سنكمم الأفواه قبل أن نقصف البيوت».

إنه قصف للخطاب بقدر ما هو تهديد بالسلاح.. إنه إعلان حرب على الكلمة، قبل أن يكون على المدينة.

(4)

تصريح رئيس الكنيست ليس تهديدًا لقطر وحدها، بل هو صفعة لكل عاصمة عربية هرولت إلى التطبيع متوهمة أنها اشترت الأمان.

إنه تذكير بأنَّ إسرائيل لا ترى فينا دولًا ولا شعوبًا؛ بل ساحة رسائل. كل مرة تختار مدينة لتقصفها، أو لتقصف اسمها في الإعلام، لتقول للجميع: «نحن نقرر.. وأنتم تنتظرون».

لكننا نعلم- من التاريخ والقرآن- أن كل من اعتقد أنه محصّن بالتطبيع، صار أول الضحايا.

﴿فَإِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 12]. لا عهد لهم، لا كلمة لهم، لا ميثاق لهم.

هذا التصريح، ليس مجرد خبر؛ بل إعلان عن المرحلة القادمة: إسرائيل تضرب بعصاها، وتنتظر أن ترى من يرتعد.. ومن يرد.

(5)

كل عاصمة هرولت..  وتهرول..  وستهرول.. إلى تل أبيب بحجة أنها «تأمن شرها» اكتشفت وتكتشف الآن أكثر أن التطبيع لم يكن مظلة أمان؛ بل مقصلة جديدة.

هذه العاصمة فقدت مكانتها رغم الاتفاق، وتلك غارقة في أزماتها.. كلهم تلقوا «رسائل» موجعة بعد التوقيع.

والآن، الدوحة تُهدَّد علنًا، لتتضح الحقيقة: لا أحد في مأمن من غطرسة تل أبيب.

هذا كله ليس مفاجئًا لمن يقرأ كتاب الله:

﴿فَإِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 12]

إسرائيل لم تفِ يومًا بميثاق، ولن تفعل.. وكل من يظن أن نتنياهو أو الكنيست يحملان مشروع «تغيير» إيجابي، فقد كذّب القرآن وجهل التاريخ.

 تصريح الكنيست ليس مجرد تهديد لقطر، بل هو صفعة لكل الشرق الأوسط. إنه يقول للعرب: لا حصانة لأحد، لا حماية بمعاهدات، لا أمان بتطبيع.

أما هذيان الـ"نتن ياهو" عن «تغيير الشرق الأوسط» فما هو إلا إعادة إنتاج لعقدة إسرائيل القديمة: أن وجودها لا يثبت إلا بخراب محيطها.

لكن الحقيقة الأعمق أن كل قصف، وكل تصريح، وكل تهديد، لا يغير الشرق الأوسط كما يريدون، بل يكشف إسرائيل أكثر فأكثر ككيان مؤقت، يقوم على الوهم، وينهار أمام سُنن التاريخ وسُنن الكون.

(6)

إسرائيل لا تطلق رصاصها من فوهات البنادق فقط، بل من حناجر قادتها أيضًا.

كلمة رئيس الكنيست هنا صاروخ إعلامي، يُطلق في فضاء الشرق الأوسط ليكمل ما تفعله الطائرات والمدافع على الأرض.

هي «قبة حديدية» من الخطاب المسموم، يريدون بها إخضاع الوعي قبل إخضاع الأرض.

مغزى الرسالة في ضوء هذيان الـ"نتن ياهو"، حين يهذي قائلاً: «سأغير الشرق الأوسط»، فإن تصريح الكنيست يترجم هذا الهذيان إلى سياسة يومية: «التغيير» في نظره يعني تحطيم الخرائط، إضعاف الدول، جرّ العواصم إلى التطبيع، وإخضاع القرار العربي لإملاءات تل أبيب.

أما «الرسالة» التي تحدث عنها الكنيست فهي إنذار صريح: لن تُستثنى أي عاصمة، ولن يحميكم أي اتفاق.

إنها المعادلة الصهيونية الجديدة: قصفٌ في غزة أو لبنان، وتهديدٌ للدوحة أو غيرها.. كل ذلك تحت شعار التعبير الأمريكي الوقح: «تغيير الشرق الأوسط»..

تغيير لا يصنع سلامًا؛ بل يُعيد رسم المنطقة بالدم والرماد.

الأكثر قراءة